مقرات أمن الدولة في قبضة الجيش
كتب – محمد جمال عرفة: كانت الساعة الرابعة تقريبا عصر السبت 5 مارس 2011 هي ساعة الصفر التي
اتفق عليها نشطاء الثورة الشعبية عبر مجموعات فيس بوك ورسائل
إس .إم .إس، للانطلاق نحو مقار أمن الدولة في كل محافظات مصر تقريبا
للسيطرة عليها ومنع ضباط الجهاز المشبوهين من عمليات منظمة لحرق وفرم آلاف
الوثائق التي تدين ضباط الجهاز وتفضح عملياتهم المشبوهة في تعذيب وقتل
مصريين وتزوير الانتخابات وتلقي رشاوي من رجال أعمال وغيرها، بعدما لوحظ أن
عملية إتلاف الوثائق بدأت في توقيت واحد تقريبا صباح السبت .
كانت ليلة سقوط (جمهورية أمن الدولة) لا تقل صخبا وفرحا عن ليالي سقوط
أشهر وأقسي سجون العالم مثل (الباستيل) في فرنسا الملكية الذي جري اقتحامه
وسقوطه 14 يوليو عام 1789م، وسجن (الكاتراز) الأمريكي الذي أغلق منذ العام
1963، وسقوط جهاز (الجستابو) الألماني النازي المتخصص في التعذيب، ولهذا
وقف المصريون أمام مقار الأجهزة في كل محافظة يحتفلون لأول مرة بحريتهم
بعدما حققوا بأنفسهم أهم مطلب للثورة وهو إسقاط أمن الدولة الجهاز الأمني
الرهيب الذي عذب وقتل وأهان كرامة آلاف المصريين الشرفاء .
أبرز هذه المقار التي سقطت وأكبرها وأكثرها تحصينا هي مقر الجهاز في
مدينة نصر الذي يشبه قلعة حربية وبه طوابق أرضية يدفن فيها المعتقلون..
أطلقوا عليها (القلعة) أو (الوريث الشرعي للأظوغلي) كما تقول صاحبة مدونة
(واحدة مصرية)، أو (المقبرة) كما أسماه المدون محمد عادل الذي تم اعتقاله
به أواخر عام 2008 إثر زيارة سلمية لغزة، أو (عاصمة جهنم) كما أسماه محمد
الدريني رئيس جمعية آل البيت في كتابه الممنوع "عاصمة جهنم" بعد أن تعرض
فيه لأبشع أنواع التعذيب لمدة أربعين يوما قضاها هناك عام 2004 .
في ست ساعات فقط تقريبا من مساء السبت، وبعد نفي مصدر أمني مسئول ما
تردد عن "تجميد" عمل الجهاز وأنه سيجري فقط "إعادة هيكله"، كان "شعب ثورة
25 يناير " قد سيطر وأسقط "جمهورية أمن الدولة " سلميا وبالضربة القاضية،
بعدما حاصر عشرة مقار لجهاز أمن الدولة بالقاهرة والإسكندرية والمحافظات
ودخل بعضها ومنع الضباط من استكمال فرم وحرق كل المستندات الموجودة
بداخلها، ودعا الجيش لاستلام هذه المقار، ونقل ما بها من وثائق ومستندات
وشرائط فيديو وهارد ديسكات كمبيوترات الضباط إلي النائب العام للتحقيق فيها
.
حيث تبين من خلال مستند رسمي عبارة عن خطاب من مدير جهاز أمن الدولة
السابق اللواء حسن عبد الرحمن إصداره تعليمات بتاريخ 26 فبراير الماضي
تطالب مسئولي الجهاز في مدينة الأقصر – وغالبية المدن المصرية – بفرم وليس
حرق مستندات الجهاز ونقلها من المكاتب الفرعية وإلغاء أرشيف (السري للغاية)
وإعدامه، مما يعني أن عمليات إعدام وفرم وحرق المستندات كانت مستمرة منذ
أسبوع تقريبا قبل اقتحام المتظاهرين المقرات أو حصارها لمنع إتلاف
المستندات !؟.
ولهذا لم يكن أمام النائب العام سوي أن يقرر وضع مقار أمن الدولة بـ 6
أكتوبر ومدينة نصر، وباقي المقار التي اقتحمها المتظاهرون، تحت حراسة الجيش
وأن يعلن المستشار عادل السعيد النائب العام المساعد والمتحدث الرسمي
للنيابة العامة، أن المستشار الدكتور عبد المجيد محمود النائب العام كلف
فريقا من محققي النيابة بالانتقال إلى مقار جهاز مباحث أمن الدولة بمدينة
نصر ومحافظة السادس من أكتوبر، وذلك لاتخاذ إجراءات الحفاظ على كافة
المستندات واستلام ما تمكن بعض المتظاهرين من أخذه من حيازة الجهاز.
كما قرر النائب العام وضع المقرين التابعين لمباحث أمن الدولة تحت حراسة
القوات المسلحة لحين الانتهاء من فحص كافة المستندات بهما، ووجه النائب
العام أعضاء النيابة العامة في جميع أنحاء الجمهورية لاتخاذ ذات الإجراءات
في حالة وقوع أي أحداث مماثلة بشأن مباني فروع جهاز مباحث أمن الدولة،
لينام المصريون لأول مرة منذ سنوات طويلة في سلام وهدوء لا ينتظرون زائر
الفجر من ضباط الجهاز الذين اعتادوا اقتحام المنازل علي أصحابها وترويع
الأسر والأطفال واعتقال الرجال والنساء والأطفال في جنح الظلام .
تعليمات رئيس أمن الدولة أفرموا ولا تحرقوا
باستيل مدينة نصركانت البداية الأهم بقلعة أو باستيل مدينة نصر (شرق القاهرة) حيث أشهر
وأخطر هذه المقار التي لا يجرؤ أحد علي المرور أمامه، بعدما تجمع أمامه
قرابة ثلاثة آلاف متظاهر ثم اقتحموه برغم أسواره العالية الخرسانية وأبوابه
المصفحة، وهم يهتفون مطالبين بإطلاق المعتقلين المدفونين في أدواره
السفلية تحت الأرض، والتحفظ علي ما به من مستندات، وعقب قيام المتظاهرين
باقتحام مبني الجهاز، قامت القوات المسلحة بفرض كردون أمني داخل مبني
الجهاز، وإخراج جميع المتظاهرين، وتمكن بعض الأشخاص الذين اقتحموا المبني
من أخذ بعض الأوراق وإلقائها من أعلي سور الجهاز.
وقام المتظاهرون بإحاطة كل جوانب الجهاز والشوارع المؤدية له، وتجمهروا
مطالبين بدخول المبني مرة أخري والتفتيش عن الأوراق والمستندات التي تدين
أمن الدولة، والبحث عن ذويهم المعتقلين من سنوات، والمودعين داخل سجون
ومعتقلات تحت الأرض وأسفل المبني كما قال معتقلون سابقون داخل المبني،
وظلوا يهتفون : "سلمية.. سلمية.. عايزين المعتقلين اللي جوه"، وهتفوا: "لا
إله إلا الله.. أمن الدولة عدو الله"، "الشعب يريد إسقاط أمن الدولة".
سقوط باقي المقراتوعقب نجاح موقعة "باستيل" مدينة نصر ودخول المتظاهرين المبني الحصين،
انتشر الخبر كالنار في باقي المحافظات، حيث حاصر المئات مقر أمن الدولة بـ 6
أكتوبر بعدما شاهدوا أعمدة دخان كثيفة تحيط به وتؤكد أن كميات كبيرة من
الورق والملفات تحرق بداخله، أكد شهود عيان قيام ضباط الجهاز بإحراق
الملفات الموجودة بداخله، وكذلك إحراق أجهزة الكمبيوتر لإخفاء الملفات
المهمة، وذلك منذ ساعة مبكرة من صباح السبت، وروي الجنود البسطاء الذين
وقفوا بجانب المحتجين للمتظاهرين أن الضباط أحرقوا كل الملفات الموجودة
داخل المقر، كما حطموا أيضا أجهزة الكمبيوتر كافة لإخفاء أي معلومات عن
الملفات الموجودة، وتناثرت الأوراق المحروقة حتى خارج المبنى .
ولم يترك المتظاهرون المبني قبل أن تصل قوات عسكرية أخبرت المتظاهرين أن
القوات المسلحة ستتسلم المبنى من ضباط أمن الدولة، وناشد المتظاهرون
القوات المسلحة بمحاسبة الضباط على جرائمهم وعلى حرق الملفات، وانتظر
المتظاهرون حتى حضر أعضاء النيابة العامة إلى داخل مقر أمن الدولة بالسادس
من أكتوبر ليبدأوا التحقيق وحصر الوثائق المحروقة .
أيضا تظاهر العشرات أمام مقر أمن الدولة بمدنية الزقازيق محافظة الشرقية
فى وقفة احتجاجية سلمية، اعتراضاً على حرق ضباط أمن الدولة أوراقاً
ومستندات رسمية، وهتف الشباب المطالبين بحل الجهاز "أمن الدولة برا برا"،
"حرية حرية سلمية سلمية"، "كفاية ظلم كفاية فساد" فقامت القوات المسلحة
والشرطة بتكثيف تواجدهما أمام المقر وجاءت كتيبة من قوات الجيش سيطرت على
الموقف وتحفظت على باقي الأوراق واعتقلت رئيس مباحث أمن الدولة ونائبه قبل
أن تقوم بتشميع المبنى بالشمع الأحمر، وقامت القوات المسلحة بتسلم مقر أمن
الدولة وإخراج باقى الضباط وأمناء الشرطة في سيارات، تحسباً لأي مواجهات
بين المتظاهرين وعناصر أمن الدولة.
وتكرر الأمر ذاته في مقر أمن الدولة بقنا، عندما تظاهر المئات أمامه
خصوصا شباب ائتلاف ثورة 25 يناير والإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية
مطالبين بالتحفظ علي مستندات الجهاز وعدم إتلافها، وتدخل الجيش لإقناعهم
بأن القوات المسلحة استلمت مقر الجهاز بعدما تركه الضباط ولم يعد من تلك
اللحظة تابعا لوزارة الداخلية" وهتف المحتجون "الشعب والجيش إيد واحدة"،
وأنهوا وقفتهم الاحتجاجية، وفي مبني أمن الدولة بأسيوط بعدما اقتحمته
مجموعات كبيرة من المتظاهرين .
وكشف دخول المتظاهرين إلى مقر أمن الدولة بقنا في صحبة قوات من الجيش عن
مستند يثبت تقديم أعضاء بالحزب الوطني، مكافأة قدرها 100 ألف جنيه، لعدد
من ضباط أمن الدولة بجانب أجهزة كمبيوتر، تم الاستيلاء عليها من المركز
العلمي بقرية دندرة تخص الإخوان الذين أكدوا أنها أجهزتهم .
وفي مدينة مرسى مطروح، تمكن ما يقرب من 300 متظاهر، عصر السبت من اقتحام
مبنى أمن الدولة بعد أن تسلمه الجيش ولم يكن به أي من ضباط أمن الدولة،
حيث خرج ما يقرب من 300 متظاهر من الجماعة السلفية من مسجد الفتح متجهة نحو
مبنى أمن الدولة وانضم لهم متظاهرون آخرون، حيث قاموا بإخراج جميع
المستندات التي كانت بداخل المكتب والكتب الدينية التي تمت مصادرتها
واستمارات التعارف، ثم أضرموا النيران في جميع الغرف والحجرات التي كانت
بالمبني وحرقه انتقاما من الممارسات الوحشية، التي تعرضوا لها على يد
ضباطه، بداخله على حد وصفهم .
كما جري تسليم مقر أمن الدولة بدمياط للجيش بعدما حاصر المبنى عدد من
نشطاء 6 أبريل صباح السبت، تعرضوا خلاله لهجوم قالوا إنهم بلطجية مدفوعين
من أمن الدولة، وأصدر شباب 6 أبريل بيانا جاء فيه "أثناء قيامنا لحماية مقر
أمن الدولة من عبث ضباط أمن الدولة، خشية تهريبهم أوراقا من داخل المقر،
فوجئ نشطاء حركة 6 أبريل الذين لا يتعدون عشرين شابا بمجموعة من بلطجية
المنطقة، يحملون أسلحة بيضاء مختلفة، وقاموا بالاعتداء عليهم، وأحدثوا
إصابات باثنين من نشطائها".
أضاف البيان أن "هذا ليس بغريب على الدور القمعى وانتهاك الحريات
والتجسس والاعتقالات والتعذيب الذى كان يمارسه هذا الجهاز"، وأشادت الحركة
بدور رجال القوات المسلحة بالقبض على البلطجية، وناشدت الحركة القوات
المسلحة بملاحقة هؤلاء المجرمين وتقديمهم للتحقيق"، وتضمن البيان التأكيد
على أنه "لن نتنازل عن مطالبنا فى حل جهاز أمن الدولة وتقديم قياداته
للعدالة حتى تكتمل الحرية كما نتمناها".
أيضا حاصر الجيش مبنى أمن الدولة في شارع جابر ابن حيان بالدقي (الجيزة)
بعدما تجمهر أمامه مئات المتظاهرين، كما حاصر مبني أمن الدولة بالسويس بعد
تحذيرات باقتحام الأهالي له ونشوب النيران بداخله بعد قيام عناصر أمنية من
الجهاز بإحراق أوراق وملفات سرية داخله.
وسبق هذا مساء الجمعة قيام متظاهرين بالهتاف أمام مبنى أمن الدولة
بالإسكندرية طالبوا فيها بحل الجهاز ثم أعلن المتظاهرون عن نيتهم للاعتصام
بعد مشاهدتهم للدخان الذى يتصاعد بكثافة من سطح المقر بسبب قيام الضباط
بحرق الأوراق والمستندات، الأمر الذى دفع قوات الأمن المركزى لإلقاء قنابل
الغاز المسيل للدموع وبعض قنابل المولوتوف عليهم مما ساهم فى إصابة عدد من
المتظاهرين بحروق واختناقات استدعت نقلهم للمستشفيات .
وقد رد المتظاهرون برشق المبنى ومن فيه بالحجارة فشرع ضباط أمن الدولة
وأفراد الجهاز بإطلاق الرصاص الحي فأصيب ما بين 4 و6 متظاهرين في أكتافهم
وبطونهم وأرجلهم، كما أصيب جندي بالقوات المسلحة، مما أثار المتظاهرين
بشدة، وانضم إليهم المئات من أبناء الإسكندرية وأحكموا الحصار حول المبنى،
وكثفوا من إطلاق الحجارة، فاستسلمت قوات الأمن المركزي وخرجوا رافعين
أيديهم، وسلموا أسلحتهم للأهالي، الذين قاموا بتسليمهم للجيش، ثم حضر الجيش
الذي أخرج الضباط وسط هتافات المتظاهرين ضدهم والاعتداء علي بعضهم .