ما أن انتصر الأسير خضر عدنان على سجانيه ومحتليه بسلاح الإرادة وصبر ساعة؛
حتى بث وشحن الشعب الفلسطيني من جديد في مواجهة مغتصبيه المارقين
والخارجين عن كل ما تعارفت عليه البشرية من قوانين وقيم وأخلاق.
وما
أن استصرخ المسجد الأقصى المبارك رواده ومرابطيه؛ حتى لبوا النداء ولم
يبخلوا بأرواحهم فداه. الشاب الشهيد طلعت رامية قدم أغلى ما يملك وطارت
روحه لباريها، رخيصة نصرة للأقصى، ورفضا للظلم والطغيان.
ظن المحتل
الجبان المغرور بقوته وجبروته؛ أن الشعب الفلسطيني تعب من رفضه واستسلم له،
وراح يعيث فسادا وخرابا في المسجد الأقصى، ويهود القدس والضفة الغربية في
سباق محموم وغفلة من الزمن؛ حتى خرج عليهم أسير فلسطيني لا يحمل سلاحا ولا
بندقية؛ ولكن يحمل الإيمان بعدالة قضيته وبرفع الظلم عن شعبه، لينتصر
عليهم برغم جبروتهم. دماء الأسير خضر التي نشفت وكادت تجف خلال ال 66 يوما
من الإضراب أضاءت نور المسجد الأقصى من جديد، وجددت الأمل بقرب الخلاص.
الأسير
خضر انتصر بامتياز بسلاح الإرادة الناجع، ونجح في تحريك المياه الراكده،
وقام بشحن طاقة خلاقة لحماية الأقصى، وهو الذي كاد يفقد حياته حبا فيه،
وحماية له عبر إضرابه الأسطوري رفضا لظلم السجن ومواصلة الاحتلال. تعلم
شباب فلسطين وفهموا درس عدنان جيدا؛ بان هناك أسلحة تملكونها وتستطيعوا
تحريكها، وراحوا يتضامنون معه ويدافعوا عن المسجد الأقصى بمسيرات غاضبة ضد
الاحتلال.
المسجد الأقصى ملازم للوعي الجمعي للأمة، وله معاني
ودلالات مزروعة في قلب وعقل كل مسلم وعربي وفلسطيني، وعقيدة دينية تتحرك
بشكل تلقائي عند المساس به؛ وهو ما يتناساه الاحتلال الغاشم، وجاء أسير
مكبل ليذكرهم به من جديد .
يستصرخ المسجد الأقصى أمية المليار ونصف
مسلم بان مهمة إنقاذه من مغتصبيه أكبر من الفلسطينيين على أهميتها، وان
التحرير مهمة تاريخية جسيمة يتحمل عبؤها كل الأمة مجتمعة ومعها كل أحرار
العالم .
ما شجع على الاقتحامات المتتالية للمسجد الأقصى – لتقسيمه
لاحقا كما حصل في الحرم الإبراهيمي- هو الصمت المطبق على انتهاكات الاحتلال
من قبل المجتمع الدولي والأمة الاسلامية؛ إلا ان شجاعة المقدسيين واهلنا
في الاراضي المحتلة عام 48 احبطت خطط وبرامج المحتلين، ورفعت السقف
والمعنويات.
لم يطلب الاسير خضر عدنان ومعه أهالي القدس وال 48
والضفة وغزة؛ تسيير الجيوش لتحرير فلسطين، كل ما يطلبونه أمور يسيرة من
قبيل قطع العلاقات مع دولة الاحتلال نصرة للمسجد الأقصى، وطرد سفراءه، ودعم
القدس وفضح ممارسات الاحتلال، فهل هذه أمور عسيرة على رؤساء وقادة العرب
والمسلمين ؟!
ميدانيا استطاع حراك الأسير خضر عدنان، ومحاولة المساس
بالمسجد الأقصى توحيد الأمة الاسلامية والعربية خلفهم. وفلسطينيا توحدت
الجهود في بوتقة رفض الاحتلال، وتناسى الأخوين الكبيرين خلافاتهم
ومناكفاتهم، ووحدهم في صورة جميلة وخلاقة، نأمل أن تستمر بلا حدود.
مشاهدة
المسيرات والمظاهرات في مدن الضفة وغزة نصرة للأقصى؛ أثلجت الصدور
المتعبة، وخففت من وجع القلب والألم الذي اعتصره سابقا بتناقضات فرعية
وهامشية تغلبت على التناقض الرئيس وهو الاحتلال.
يبعث على الفخر
تصدي فلسطينيو ال48 – رغم محاولات "الأسرلة" والصهر- لمحاولات اقتحام
الأقصى، وهو ما يجعل أهالي القدس يشعرون بنوع من المؤازرة في رباطهم
وحمايتهم للقدس، وهو كذلك ما يقود للقول:" إن ما حققه الاسير خضر من نصر
سيقود لنصر آخر أن استغل بالشكل الصحيح، فهل نحن فاعلون؟