تقول الحكمة العربية القديمة: إن الأيام دول يوم لك ويوم عليك.. ومنها نشتق الحكمة الكروية التي يجب أن تعيها كل الفرق العربية التي تشارك في بطولات إفريقية، وهي أن حكام الكرة في القارة السوداء (وأقول سوداء تأثرا بالمستقبل المظلم للكرة الإفريقية في ظل تحكيم فضائحي) دول أيضا، وهم في قراراتهم يوم لك ويوم عليك.. حكمة من المفترض أن يكون لاعبو الترجي آمنوا بها جيدا قبل مباراتهم أمس ضد مازيمبي، باعتبار أن تأهلهم إلى النهائي جاء بهدف غير صحيح، ومجاملة تحكيمية واضحة من الحكم الغاني لامبتي، كما اعترف الجميع بذلك.. وقلنا يومها: إن المجاملات التحكيمية لا تقلل من أحقية الترجي في التأهل قياسا على ما قدمه، مقارنة بأداء منافسه في مباراة الدور قبل النهائي الأهلي المصري الذي لم يكن في يومه.
أمس كان على الترجي مواجهة يومه السيئ تحكيميا من الحكم التوغولي غريب الأطوار كوكو؛ الذي عزز المخاوف من مستقبل التحكيم الإفريقي بأدائه المنحاز.. لكن السؤال الذي يجب طرحه هنا: هل كان الحكم سبب الهزيمة بالخمسة، وهي فضيحة بكل المقاييس للترجي والكرة العربية، على اعتبار أنها الأكبر في نهائي دوري أبطال إفريقيا على مدى تاريخه، وهي الأكبر في تاريخ مشاركات نادي الترجي الخارجية كلها؟ الإجابة وجدتها في كثير من الصحف التونسية التي علقت على المباراة؛ فحملت لاعبي الترجي ومدربهم ثمن الهزيمة مع تسليمها –ونحن معها- بعدم نزاهة الحكم.
قبل أن أستطرد في النواحي الفنية للمباراة أعيب على لاعبي الترجي ومدربهم فوزي البنزرتي ما عبته على لاعبي الأهلي في مباراة رادس الشهيرة، وهي انفلات أعصابهم أمام تجاوزات الحكم، فلاعبو هذه الأيام محترفون يتقاضون ملايين من الكرة، ولهذا يجب عليهم أن يتعلموا كيف يتعاملون مع الحكام، حتى إذا كانوا مرتشين أو مغرضين، وهو ما لم يفعله لاعبو الترجي الذين تركوا أنفسهم لغضبهم من الحكم، وقناعتهم بأنه غير محايد؛ فرفعوا راية الاستسلام، وتحولوا إلى شرطيي مرور كل مهمتهم تنظيم دخول مهاجمي مازيمبي إلى منطقة مرماهم، ولولا رحمة القدر لدخلت نتيجة مباراة أمس موسوعة جينيس للأرقام القياسية.
سؤالي الأول عن المباراة هو: أين كان فوزي البنزرتي طوال دقائقها التسعين؟! والإجابة أنه كان يشاهدها مثل باقي جمهور الترجي؛ الذي صاحب الفريق إلى كينشاسا على أمل العودة بفوز غاب طويلا عن قلعة شيخ الأندية التونسية، ولكن الفارق أن البنرزتي شاهد المباراة من داخل الملعب، وتلقى أجرا عن ذلك، بينما تكبدت جماهير الترجي مالا وجهدا وإرهاقا من أجل أن تتابع فريقها وهو يدخل تاريخ إفريقيا من بابه الخلفي بهزيمة قياسية.
ما أعرفه أن المدرب هو قائد الفريق من خارج الخط، والمدرب الناجح هو من يسيطر على لاعبيه نفسيا وذهنيا قبل أن يسيطر عليهم فنيا.. فهل فعل البنزرتي هذا؟!!.. لا لم يفعل، وإنما سبق لاعبيه إلى الاستسلام، ولم يفكر في كيفية تقليل الخسائر، وعندما فكر كانت النتيجة أسوأ؛ لأن ما فعله بسحب أبرز مهاجميه كان مثل إعلان الانسحاب أمام قادة العدو؛ فما كان على هؤلاء سوى أن يرسلوا جحافلهم لإبادة جنود البنزرتي المتقهقرين.
لا أقول إنه كان يمكن للترجي الفوز في مباراة أمس، في ظل الظروف التي أحاطت بها؛ لكن كان يمكن تقليل الخسارة لو أحسن البنزرتي السيطرة على لاعبيه وقراءة الملعب وإيجاد الحلول لإغلاق الطريق إلى مرمى نوارة، ليس عبر "رص" اللاعبين أمام منطقة الجزاء، كما حدث أمس، ولكن بتنشيط خط الوسط وامتلاك الكرة في تلك المنقطة، وتمويت المباراة فنيا، وتلك الأخيرة هي واحدة من المزايا المهمة للكرة التونسية وكرة شمال إفريقيا بشكل عام.. فلماذا لم يفعل البنزرتي ذلك؟!!. الإجابة قد تكون عند القراء..